21 - 06 - 2025

ضوء | ما بين الدكتاتورية والديمقراطية (٢)

ضوء | ما بين الدكتاتورية والديمقراطية (٢)

توجد في الوطن العربي بعض التجارب الديمقراطية ذات الملامح الإيجابية كالتجربة التونسية، بشرط أن تتطور إلى الأمام لا أن تتراجع إلى الخلف.

وفي لبنان مثلاً هناك وعي كبير لدور مؤسسات المجتمع المدني وفاعليتها وأثرها على القرار السياسي، كما يوجد فك لعقدة تأليه الفرد الحاكم.

وفي التجربة القطرية والعمانية هناك رفع من شأن المواطن وقيمته.

والسؤال المركزي: ماذا نريد؟ أي ديمقراطية نريد؟

إن نضالات الشعوب منذ عقود طويلة في الوطن العربي عموماً، منذ حركة القوميين العرب حتى اليساريين وصولاً إلى الحركات الإسلامية، كانت وما زالت تدعو إلى الإصلاح السياسي والاجتماعي والمطالبة بالديمقراطية الحقيقية.

وقد دعا تقرير التنمية العربية إلى هذه الإصلاحات حتى قبل المبادرة الأمريكية المعروفة (بمشروع الشرق الأوسط الكبير)، منذ عام 2003.

إن الضغوط الأمريكية على الكثير من الدول، من أجل الديمقراطية مسألة شكلية، وتبين أن الديمقراطية التي يريدونها هي الاستعباد ونزف خيرات البلاد، وهدفها الأساسي دفع الأنظمة لخيانة وبيع الوطن لهم، لتعزيز موضع الكيان الصهيوني.

إن الإصلاح الذى تريده أمريكا شكلي، وهو عبارة عن ديمقراطية على الطريقة الصهيونية، وأمريكا التى تعتبر نفسها ديمقراطية، مارست أبشع أنواع البطش والقمع، واقترفت أبشع الجرائم، في أفغانستان والعراق، وسوريا واليمن، وغيرها.

أي ديمقراطية أمريكية مع وجود أكثر من 13 مليون مشرد في شوارع أمريكا؟ وخير ممثل لها هو الرئيس الحالي ترامب، لأنه يكشف للعالم وجه أمريكا الحقيقي المخادع القبيح.

إن تاريخ أمريكا حافل بالقتل والتدمير، وقد قامت وتأسست على المجازر التى ارتكبتها بحق الشعب الأصلي الهنود الحمر، وكذلك المحرقة لمدينتي هيروشيما وناجازاكي في اليابان شاهد تاريخي، أمريكا دولة قامت على جماجم الشعوب، لكن مازال يوجد فيها قانون واحد يسري على الجميع فيها، لأنه في نظرهم العرق الأبيض فقط من يستحق الديمقراطية، وأمريكا تمارس مع جميع العرب فعلاً مماثلاً لما يمارسه الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني، لكنهم يمارسون أرقى أنواع التلاعب اللفظي وغسل الأدمغة للشعوب.

بل يشعر المرء أن الفرق بين الدكتاتورية والديمقراطية شكلي، لأن الكثير من الأنظمة الدكتاتورية القمعية تحاول أن تتزين بالمكياج الديمقراطي لتنطلي الخدعة.

الوطن العربي يحتاج فعلاً إلى ثورة إصلاحية حقيقية شاملة. أمّا الغرب فهو يحتاج إلى ثورة إنسانية.

إن الحركات الإصلاحية التي تنشد الديمقراطية الحقة في العالم أجمع، تُجمع على المطالب التالية:

- حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان.

- تمكين المرأة من المشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية.

- عدم احتكار المعرفة وحرية استقاء المعلومة من مصادرها المختلفة.

- التعددية السياسية.

والترجمة لهذه المطالب، كالتالي:

1- إن وجود الأحزاب مسألة طبيعية وضرورية.

2- حق التعبير عن الرأي بكافة الأساليب سواء بالعرائض الشعبية أو التظاهر أو الاعتصام وغيرها، حق تكفله جميع الشرائع والقوانين.

3- المشاركة السياسية للمرأة والرجل حق طبيعي.

4- الحرية الصحفية، وتمكين الصحافة من لعب دورها الحقيقي كسلطة رابعة، لا كتابع أو رقيب.

5- محاسبة السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية أمر مطلوب وطبيعي، لا محاباة فيه ولا تغليب للمصالح الشخصية على المصالح العامة.

6- محاربة الفساد والمحسوبية أينما كانا وبكافة الأساليب.

7- فصل السلطات الثلاث عن بعضها فصلاً حقيقياً لا شكلياً.

أتفق تماماً مع من يقول بأن الديمقراطية لا بد وأن تمر بمراحل، لكي نتهيأ لأي نتائج سلبية، وهذا أمر طبيعي، ففي كل شيء إيجابيات وسلبيات، والعبرة بزيادة كفة الإيجابيات، لكنني ضد من يقول إننا كعرب لم نتهيأ بعد للديمقراطية، والخوف أن تنطلي الخدعة على الشعوب وتظل الديمقراطية شكلية صورية، وكلنا أمل بأن يأتي اليوم الذي تكبر فيه الديمقراطية الحقة في وطننا العربي، ويصبح لها أسنان وأظافر تدافع بها عن حقوق الشعوب.
---------------------------
بقلم: د. أنيسة فخرو
* سفيرة السلام والنوايا الحسنة


مقالات اخرى للكاتب

ضوء | ما بين الدكتاتورية والديمقراطية (٢)